قصص

حكمة القاضي زهران: ثلاث قضايا خالدة


جدول المحتويات التفاعلي

مقدمة: القاضي زهران وحكمته

يُحكى أنه في أحد العصور القديمة، كان يوجد قاضٍ يدعى زهران، قد اشتهر بذكائه ودهائه وحكمته في إرجاع الحقوق لأصحابها ورد الظلم عن المظلومين. برزت شهرته بشكل خاص بعدما استطاع حل ثلاث قضايا (القضية الأولى، القضية الثانية، القضية الثالثة) تعد من أصعب القضايا التي عُرضت عليه، مُظهرًا بذلك قدرة فائقة على كشف الحقيقة بأساليب غير تقليدية.

القضية الأولى: الجار الماكر وقرض الألف درهم

ملخص القضية: جار يطلب قرضًا من جاره الطيب ثم ينكره، فيستخدم القاضي زهران حيلة ذكية لكشف كذب الجار الماكر.

4

تفاصيل القصة:
كان رجلان يتجاوران، أحدهما طيب القلب والآخر ماكر ومخادع، لكن الجار الطيب لم يكن يعلم بخبث جاره. في أحد الأيام، تعسر حال الجار الماكر وضاق به الحال، فذهب ليطلب قرضًا من جاره الطيب. لم يجده في بيته، فقصد مكان عمله. التقيا في الطريق، وشرح الجار الماكر حاجته وطلب 1000 درهم. وافق الجار الطيب فورًا ووعده بتدبير المبلغ وتسليمه له في اليوم التالي بجانب نخلة قريبة.

في اليوم التالي، التقى الجاران عند النخلة، وأعطى الجار الطيب المبلغ لجاره الماكر الذي وعد برده بعد ثلاثة أشهر. لم يأخذ الجار الطيب أي وثيقة تثبت الدين لثقته بجاره. بعد انقضاء المدة، ذهب الجار الطيب لاسترداد ماله، فأنكر الجار الماكر الدين تمامًا.

حزن الجار الطيب وقرر اللجوء إلى القاضي زهران المشهور بحكمته. استمع القاضي للقصة واستدعى الجار الماكر الذي أنكر أمام القاضي أخذ أي مال. سأل القاضي زهران الجار الطيب إن كان لديه شاهد أو وثيقة، فأجاب بالنفي موضحًا أنه وثق بجاره.

شعر القاضي بصدق الجار الطيب، وبعد تفكير، طلب منه طلبًا غريبًا: “اذهب وأتني بحفنة تراب من المكان الذي أعطيت فيه المال لجارك بجانب النخلة.” امتثل الجار الطيب وذهب مسرعًا.

مر الوقت، وبدأ القاضي يراقب الجار الماكر، ثم سأله فجأة: “لقد تأخر جارك كثيرًا، هل تعلم لماذا؟” أجاب الجار الماكر دون تفكير: “إن ذلك المكان الذي ذهب إليه جاري يبعد عنا كثيرًا.”

عندها ضحك القاضي وقال: “الآن أثبت لي صدق ما ادعاه جارك! لو كان جارك كاذبًا ولم يقرضك شيئًا، لما عرفت المكان الذي ذهب إليه ليحضر منه التراب. إن معرفتك ببعد المكان دليل على أنك كنت هناك وأخذت المال منه.”

بهذه الحيلة الذكية، كشف القاضي زهران كذب الجار الماكر وأثبت حق الجار الطيب، وأمر بسجن الجار الماكر حتى يرد المال لصاحبه.

القضية الثانية: العجوز والشاب و”اللاشيء”

ملخص القضية: شاب يساعد رجلاً عجوزًا ثم يطالبه بمقابل غريب هو “لا شيء”، فيحل القاضي زهران الموقف بحكمة وسخرية ذكية.

تفاصيل القصة:
ذهب رجل عجوز إلى السوق على حماره ليشتري كيسًا من الدقيق. بعد الشراء، ساعده رجل قوي في وضع الكيس الثقيل على ظهر الحمار. في طريق العودة، تعثر الحمار وسقط كيس الدقيق. لم يستطع العجوز رفعه بمفرده.

5

مر به شاب قوي البنية ولكنه كان سمجًا وتافهًا. سأل العجوز عن سبب وقوفه، فشرح له العجوز الموقف. عرض الشاب المساعدة قائلاً: “أنا أستطيع حمله، ولكن ماذا ستعطيني مقابل ذلك؟” أجاب العجوز، الذي لم يكن يملك شيئًا ليقدمه: “لا شيء.”

حمل الشاب الكيس ووضعه على الحمار. وعندما همّ العجوز بالمغادرة، أوقفه الشاب مطالبًا بالمقابل: “أين ما وعدتني به؟” رد العجوز: “أنا لم أعدك بشيء.” قال الشاب بسوء خلق: “بل وعدتني! عندما سألتك ماذا ستعطيني، قلت (لا شيء). أنا أريد الآن (اللاشيء) الذي وعدتني به.”

احتار العجوز وقال: “يا بني، كيف لي أن أعطيك اللاشيء؟” أصر الشاب: “لا شأن لي بذلك، لا بد أن تعطيني (اللاشيء) الذي وعدتني به.”

لم يجد العجوز حلاً إلا اللجوء إلى القاضي زهران. استمع القاضي للقصة الغريبة من الطرفين، وأدرك سماجة الشاب وتلاعبه بالألفاظ. بعد تفكير، أمر بإحضار الحمار وكيس الدقيق إلى قاعة المحكمة.

وقف الحمار والكيس أمام القاضي، فنظر إلى الشاب بتحدٍ وقال: “أيها الشاب، إن كنت تريد (اللاشيء) الذي وعدك به العجوز، فأنزل كيس الدقيق من على ظهر الحمار وضعه على الأرض.” فعل الشاب ذلك. ثم قال القاضي: “الآن ارفع الكيس وضعه مرة أخرى على ظهر الحمار.” فعل الشاب ذلك أيضًا.

ثم سأل القاضي الشاب: “ماذا وجدت تحت كيس الدقيق عندما رفعته من على الأرض؟”
أجاب الشاب: “لا شيء.”
ضحك القاضي وقال: “إذًا، خذه! فهذا هو (اللاشيء) الذي وعدك به العجوز.”

بهذه الطريقة الذكية، استخدم القاضي زهران منطق الشاب نفسه ليلقنه درسًا ويخلص العجوز من موقفه المحرج.

القضية الثالثة: وصية الأبناء الثلاثة المتشابهين في الاسم

ملخص القضية: أب يترك وصية غامضة لثلاثة أبناء يحملون نفس الاسم، فيبتكر القاضي زهران اختبارًا نفسيًا لكشف الابن المقصود بالحرمان من الميراث.

تفاصيل القصة:
كان لرجل ثلاثة أبناء، وكلهم يحملون نفس الاسم: زيد. قبل وفاته، كتب الأب وصية مختصرة ومحيرة: “زيد يرث، وزيد لا يرث، وزيد يرث“. (تم تعديل الصياغة قليلاً لتوضيح أن اثنين يرثان وواحد لا يرث بناءً على النص الأصلي “زيد يرث وزيد لا يرث” والذي يُفهم عادة بوجود طرف ثالث ضمني يرث، أو تم تبسيطها في القصة الأصلية). أو كما وردت “زيد يرث وزيد لا”.

عندما قرأ الأبناء الوصية بعد وفاة والدهم، احتاروا وتساءلوا: أيٌّ منهم هو “زيد” الذي لا يرث؟ أدركوا أن والدهم قصد حرمان أحدهم، لكنهم لم يعرفوا من هو. لم يجدوا حلاً سوى عرض الأمر على القاضي زهران.

3

استمع القاضي لقصتهم وقرأ الوصية الغامضة. شك القاضي بأن أحدهم قد لا يكون ابنًا حقيقيًا للرجل المتوفى، ولكنه احتاج لدليل قاطع. بعد تفكير عميق، طلب من الحارس إخراج الإخوة الثلاثة من القاعة وإدخالهم عليه واحدًا تلو الآخر.

الاختبار:

  1. زيد الأول: عندما دخل، قال له القاضي: “لقد فكرنا طويلاً ولم نجد حلاً إلا أن نخرج جثة والدك من قبره لنتأكد من بصماته، فربما الوصية مزورة. هل توافق؟” رد زيد الأول بغضب: “لا يا سيدي القاضي! لا أوافق أبدًا ولا أقبل بإهانة والدي بعد وفاته مهما كان الثمن. أنا أتنازل عن حقي في الميراث لإخوتي.” طلب منه القاضي الخروج والانتظار.
  2. زيد الثاني: دخل زيد الثاني، وطرح عليه القاضي نفس السؤال. كانت إجابته مشابهة لزيد الأول، حيث رفض بشدة المساس بقبر والده وأبدى استعداده للتنازل عن الميراث. طلب منه القاضي الخروج والانتظار.
  3. زيد الثالث: عندما دخل زيد الثالث وطُرح عليه نفس السؤال، أجاب قائلاً: “إن كان لا بد من إخراج والدي من قبره للتأكد، فليست هناك مشكلة. الحي أبقى من الميت.”

الحكم:
عند سماع إجابة زيد الثالث، أدرك القاضي زهران فورًا أنه هو المقصود بـ “زيد الذي لا يرث” في الوصية. استنتج القاضي أنه لو كان ابنًا حقيقيًا للمتوفى، لما وافق بسهولة على نبش قبر والده من أجل المال. كشفت إجابته عن عدم وجود الرابطة العاطفية والتقدير العميق الذي أظهره الأخوان الآخران.

وهكذا، استطاع القاضي زهران بحكمته وفطنته كشف حقيقة الوصية وتحديد الابن الذي أراد الأب حرمانه من الميراث.

خاتمة: إرث القاضي زهران

بعد هذه القضايا وغيرها، ذاع صيت القاضي زهران كرمز للذكاء والدهاء والحكمة القضائية في عصره. أدرك الجميع أن القاضي الفطن يستطيع التمييز بين الحق والباطل، وأن الظالم مهما بلغ مكره لا يمكنه خداع العدالة الحكيمة، وأن المظلوم سيجد دائمًا من ينصفه ويعيد له حقه. تُعتبر قصص القاضي زهران مصدر إلهام وتأكيد على أهمية الفطنة والعدل في القضاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى