“الرجل الذي أرعب الفرس: قصة مجزأة بن ثور وبطولاته الخارقة في معركة شوشتر”

جدول المحتويات:
- مقدمة: شجاعة تتحدى الخيال في فتوحات الإسلام
- خلفية تاريخية: ضعف الإمبراطورية الفارسية ونقض العهود
- تجهيز الجيوش الإسلامية: وصية عمر بن الخطاب الفارقة
- انطلاق الفتح: من نصر إلى نصر حتى حصار شوشتر
- مدينة شوشتر: قلعة منيعة وتحدٍ هائل
- حصار شوشتر: 18 شهراً من الصمود والمبارزات الدامية
- ذروة الحصار: وحشية فارسية وصبر إيماني
- الفرج الإلهي: السهم الغامض والخيانة من الداخل
- مهمة مجزأة البطولية: اختراق حصون شوشتر
- اقتحام شوشتر: ليلة النصر والتضحيات الجسيمة
- ما بعد النصر: أسر الهرمزان ومواجهته مع عمر بن الخطاب
- خاتمة: دروس من الشجاعة والثقة بالله
- شاهد المزيد عن مواجهات الصحابة
1. مقدمة: شجاعة تتحدى الخيال في فتوحات الإسلام
في سجلات التاريخ الإسلامي صفحات خالدة، نقشت بأحرف من نور وشجاعة، تروي قصص رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. قصص تتجاوز في بطولاتها ما قد تعرضه أضخم إنتاجات السينما العالمية، لأنها ليست مجرد مؤثرات خاصة أو حيل بصرية، بل هي واقع عاشه أبطال آمنوا بقضيتهم ووثقوا بنصر الله. قصتنا اليوم عن واحد من هؤلاء الأفذاذ، رجل قيل إن شجاعته لا يمكن تصورها، رجل قتل بمفرده مائة فارس فارسي في مبارزات فردية، ناهيك عمن قتلهم في وطيس المعارك. إنها قصة مجزأة بن ثور السدوسي، البطل الذي كان له دور محوري في واحدة من أصعب معارك الفتح الإسلامي لبلاد فارس: فتح مدينة شوشتر المنيعة.
2. خلفية تاريخية: ضعف الإمبراطورية الفارسية ونقض العهود
في عهد خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبعد سلسلة من المعارك الحاسمة التي خاضها المسلمون ضد الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وصلت هذه الإمبراطورية العريقة إلى مرحلة من الضعف غير مسبوقة.
• معاهدة السلام المؤقتة
أمام الانتصارات الإسلامية المتتالية، لم تجد الإمبراطورية الفارسية بدًا من طلب الصلح. تم اقتراح معاهدة سلام بين الفرس والمسلمين، تقضي بأن يدفع الفرس الجزية للمسلمين. وكما هي عادة المسلمين في الالتزام بما أمرهم الله به: “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (الأنفال: 61)، قبل المسلمون هذه المعاهدة.
• تحريض الهرمزان على نقض المعاهدة
لكن هذا السلام لم يدم طويلاً. ففي السنة السادسة للهجرة، قام الهرمزان، حاكم الأهواز ومدينة شوشتر التاريخية، وأحد أبرز قادة الفرس، بتحريض الإمبراطور الفارسي يزدجرد على نقض المعاهدة ووقف دفع الجزية. كان الهرمزان يرى في هذا الصلح إذلالاً للإمبراطورية، وسعى لاستعادة ما خسره الفرس.
3. تجهيز الجيوش الإسلامية: وصية عمر بن الخطاب الفارقة
عندما وصلت أخبار نقض العهد إلى الخليفة عمر بن الخطاب، لم يتوانَ في اتخاذ الإجراءات اللازمة.
• أمر عمر لأبي موسى الأشعري
كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في ذلك الوقت والياً على الكوفة (العراق). أرسل إليه عمر بن الخطاب رسولاً يحمل أمراً واضحاً: تجهيز جيش ضخم والتوجه به للانضمام إلى الجيش القادم من البصرة، استعداداً لمواجهة الفرس.
• التوصية الغريبة: مجزأة بن ثور السدوسي
لم تنته رسالة عمر عند هذا الحد، بل تضمنت في نهايتها ما يشبه التوصية، لكنها كانت توصية غريبة ومثيرة للدهشة. نصح عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعري بأن يأخذ معه رجلاً يدعى مجزأة بن ثور السدوسي. كان مجزأة زعيماً لبني بكر، وكان أبو موسى والياً عليهم. هذه التوصية، التي قد تبدو بسيطة، كان لها أثر عظيم في مجريات الأحداث لاحقاً، كما سنرى في بطولات مجزأة ودوره في الاقتحام.
4. انطلاق الفتح: من نصر إلى نصر حتى حصار شوشتر
استجاب أبو موسى الأشعري لأمر الخليفة، فجهز الجيش وقاده بنفسه، وأخذ معه مجزأة بن ثور ووضعه إلى جانبه. اتحد جيش الكوفة مع جيش البصرة، وانطلق الجيشان العظيمان في سبيل الله نحو الأهواز لمواجهة الهرمزان.
• هروب الهرمزان وتحصنه في شوشتر
بدأ المسلمون يفتحون المناطق الواحدة تلو الأخرى. كانوا ينتقلون من مدينة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، والفتح حليفهم. أمام هذه الانتصارات الساحقة، بدأ الهرمزان يتقهقر ويهرب من منطقة إلى أخرى، خوفاً من مواجهة المسلمين. استمر في التراجع حتى وصل إلى مدينة عظيمة لم ير المسلمون في ذلك الوقت مدينة أعظم منها: مدينة شوشتر. دخل الهرمزان المدينة وأغلق أبوابها على نفسه، متحصناً بأسوارها المنيعة.
5. مدينة شوشتر: قلعة منيعة وتحدٍ هائل
لم تكن شوشتر مدينة عادية، بل كانت تعتبر من أمنع المدن وأجملها في ذلك العصر، وكانت تمثل تحدياً كبيراً أمام الجيوش الإسلامية.
• وصف المدينة وتحصيناتها الأسطورية
وصف المؤرخون مدينة شوشتر بأنها كانت من أجمل المدن على الإطلاق، معروفة بطبيعتها الخلابة وتحصيناتها القوية.
البناء على أرض مرتفعة على شكل حصان
بُنيت المدينة على أرض مرتفعة، وكان هذا الارتفاع يأخذ شكل حصان، وهو تصميم فريد ولا يصدق ينم عن عبقرية هندسية.
البحيرة المركزية والأنفاق المائية
في وسط هذه المدينة، كانت توجد بحيرة ضخمة بها شلالات، بناها الملك الفارسي القديم شابور. الأدهى من ذلك، كانت هناك أنفاق تحت الأرض تؤدي من هذه البحيرة إلى الأنهار المحيطة. هذه الأنفاق كانت ذات أعمدة معدنية قوية ومبلطة بالرصاص، وكذلك البحيرة نفسها، مما يدل على قوة بنائها ومتانته. (ستلعب هذه الأنفاق دوراً حاسماً لاحقاً).
الأسوار العظيمة والخندق العميق
كانت تحيط بالمدينة أسوار ضخمة قيل إنها أعظم أسوار في العالم، كبيرة وهائلة. ولم يكتف الهرمزان بذلك، بل أمر بحفر خندق عميق جداً حول هذه الأسوار. كان الخندق عميقاً لدرجة أن من يسقط فيه لا ينجو أبداً. تخيل هذا المشهد: أسوار شاهقة محاطة بخندق سحيق! كان تحصين المدينة لا تشوبه شائبة.
• الجيش الفارسي الساساني: مقاتلون لا يُقهرون
لم يقتصر الأمر على تحصينات المدينة، بل كلف الهرمزان أفضل جنود الفرس، جيشاً كاملاً من أقوى المقاتلين الساسانيين، لحماية شوشتر. هؤلاء المقاتلون كانوا معروفين بقوتهم وشراستهم، حتى قيل إنهم لا يُقهرون. كانوا سريعين، وأقوياء، وذوي خبرة قتالية عالية. حتى أن بعض شخصيات المقاتلين في الألعاب الحديثة مستوحاة من هؤلاء المحاربين الأسطوريين.
6. حصار شوشتر: 18 شهراً من الصمود والمبارزات الدامية
وصلت الجيوش الإسلامية وعسكرت حول الخندق، وكان همهم الأكبر هو كيفية التعامل مع هذا الخندق المنيع والأسوار الشاهقة.
• عجز المسلمين أمام التحصينات
وقف المسلمون عاجزين أمام هذه التحصينات الهائلة، يفكرون في حل. في هذه الأثناء، كان الجيش الفارسي يرسل في كل مرة أحد أقوى مقاتليه لمبارزة جندي من الجيش الإسلامي. كانت هذه المبارزات غالباً ما تتطور إلى معارك شاملة.
• بطولات مجزأة بن ثور: مائة مبارز فارسي
استمر هذا الوضع لمدة 18 شهراً، خاض خلالها المسلمون والفرس 80 معركة. كانت فترة مرهقة للغاية لكلا الطرفين. ولكن، كان هناك بصيص أمل للمسلمين، تمثل في البطل مجزأة بن ثور السدوسي. كان مجزأة مذهلاً في قتال الفرس، حتى أنه قتل بمفرده 100 جندي من نخبة الجيش الفارسي في مبارزات فردية فقط! لقد كان بحق يساوي مائة مقاتل. بدأ الخوف يدب في قلوب الفرس من اسم مجزأة، فكل من يبارزه كان يعلم أنه يلاقي حتفه. وشعر المسلمون بالفخر بهذا البطل الفذ.
• إدراك سر وصية عمر
هنا، أدرك أبو موسى الأشعري والمسلمون معه لماذا نصحه الخليفة عمر بن الخطاب بأخذ مجزأة معه. لقد كان عمر يعلم بقوة هذا الرجل وشجاعته، وكانت بصيرته على مستوى آخر. “هذا ما يحدث عندما يجتمع الدهاء والحكمة في رجل واحد”، فبصيرة عمر الفاروق كانت لا تصدق.
• المعركة الثمانون والهجوم الشامل
في المعركة الثمانين، وبعد 18 شهراً من الحصار والقتال المتقطع، قرر أقوى المحاربين المسلمين أن الوقت قد حان للحسم. إما النصر أو الشهادة. شنوا هجوماً عنيفاً على الفرس.
7. ذروة الحصار: وحشية فارسية وصبر إيماني
• فشل محاولة اقتحام الأسوار
دخل الجنود الفرس مدينة شوشتر وأغلقوا البوابات، تاركين المسلمين في مواجهة الأسوار الضخمة. تم تسوية الجسور على الخندق، لكن هذا لم يساعد المسلمين كثيراً. كانوا يواجهون أسواراً هائلة، والفرس يمطرونهم بالسهام من الأعلى. أصبح الوضع أسوأ من ذي قبل.
• السلاسل الملتهبة: قمة الوحشية
لم يستسلم المسلمون، بل بدأوا في محاولة يائسة لتسلق هذه الأسوار العظيمة. صُدم الفرس من جرأة المسلمين! فكروا في حيلة وحشية لإيقافهم: أخذوا سلاسل ذات خطاطيف معدنية، وسخنوها في النار حتى أصبحت حمراء متوهجة. وكلما اقترب مسلم من أعلى السور، ألقوا عليه هذه الخطاطيف الملتهبة. كانت الخطاطيف تخترق جسده، تمزق لحمه وجلده، وتطبخ عظامه من الداخل بسبب حرارتها الشديدة. كان المسلم يموت وهو لا يزال يُسحب بهذه الخطاطيف.
• ثبات المسلمين ودعاؤهم المستجاب
رغم كل هذا العنف والمعاناة، لم يستسلم المسلمون. لم تهزهم هذه الوحشية. شعارهم كان: “إما أن نموت جميعًا أو نخرج جميعًا منتصرين”. ازدادت الأمور سوءًا، فبدأ المسلمون يقاتلون ويدعون الله بقلوب واثقة أن ينصرهم ويتغلبوا على هذه المحنة.
8. الفرج الإلهي: السهم الغامض والخيانة من الداخل
• سهم منتصف الليل ورسالة الأمان
في إحدى الليالي، وبينما كان أبو موسى الأشعري ينظر إلى السور العظيم، يتأمل ويدعو الله، رأى سهماً يطير في اتجاهه. استغرب أبو موسى، فليس هذا وقت قتال. علق السهم في قدمه. لاحظ أن هناك ورقة مربوطة بالسهم. فتحها، فوجدها مكتوبة باللغة الفارسية. قرأها بعض الصحابة الذين يجيدون الفارسية، فكان مضمونها: “أثق بكم أيها المسلمون وأستودع نفسي ومالي وأهلي ومن يتبعني، وسأريكم الطريق للوصول إلى المدينة”.
• لقاء أبي موسى بالرجل الفارسي
سعد أبو موسى كثيراً، وكتب رداً على ورقة أخرى: “لقد حصلت على كلمتنا (أماننا)”، وأطلقها بسهم. وثق الرجل المجهول بالمسلمين، فهم معروفون بصدقهم وعدم إخلافهم للعهود. تسلل هذا الرجل في منتصف الليل إلى معسكر المسلمين والتقى بأبي موسى.
• الممر السري إلى قلب شوشتر
قال الرجل الفارسي لأبي موسى: “نحن قادة قومنا، والهرمزان قتل أخي الأكبر واعتدى على مالي وأهلي، وهو غاضب مني. خفت على نفسي وأهلي ومالي وأولادي. أدركت أنكم أهل عدل، فاخترتكم على ظلمه وغدره. أنا هنا لأخبرك عن ممر سري لا يعرفه أحد، سيدخلك إلى وسط المدينة. هذا الممر يؤدي إلى البحيرة المركزية عبر الأنفاق المائية. أعطني رجلاً قوياً وشجاعاً يمكنه حفظ الطرق وسباحاً جيداً.”
9. مهمة مجزأة البطولية: اختراق حصون شوشتر
• اختيار مجزأة للمهمة الخطرة
نظر أبو موسى الأشعري إلى جيشه، ونادى مجزأة بن ثور السدوسي. قال له: “يا مجزأة، أنت جندي أفضل مني، وتعرف من هو الأقوى والأشجع والأحفظ. فاختر لنا شخصاً حكيماً يمكنه الحفظ والسباحة، وشخصاً شجاعاً أيضاً.” رد مجزأة بثقة: “دعني أذهب، ثم اجعلني ذلك الرجل. أستطيع ذلك يا أبا موسى.”
• تعليمات أبي موسى الأشعري الحاسمة
وافق أبو موسى، وقال له: “احفظ الطريق جيداً، واحفظ مكان بوابة شوشتر، وحدد مكان هرمزان بالضبط، وتأكد هل هو هرمزان أم لا. ولا تقتله أبداً حتى لو أُغريت، ولا تفعل به شيئاً. فقط نفذ ما طلبت منك.”
• رحلة مجزأة عبر النفق المظلم
توكل مجزأة على الله، وذهب في منتصف الليل مع مرشده الفارسي. سارا حتى وصلا إلى نهر فيه نفق تحت الأرض – أحد تلك الأنفاق المؤدية إلى البحيرة. دخل مجزأة النفق المظلم تماماً. كان الماء يصل إلى نصف قدميه أحياناً، وكان النفق يتسع ويضيق، فاضطر أحياناً للمشي، وأحياناً للانحناء، وأحياناً للسباحة.
• ضبط النفس أمام الهرمزان
وصل إلى الممر الذي يؤدي إلى وسط المدينة قبل البحيرة. خرج من النفق وسار مع الدليل حتى أراه مكان الهرمزان. في اللحظة التي رأى فيها مجزأة الهرمزان، كاد أن يطلق عليه سهماً، فقد كانت رقبته مكشوفة هدفاً سهلاً. لكنه تذكر وصية أبي موسى الأشعري، فتمالك نفسه وهدأ.
10. اقتحام شوشتر: ليلة النصر والتضحيات الجسيمة
• تجهيز فرقة الاقتحام بقيادة مجزأة
عاد مجزأة عبر النفق قبل الفجر، فوجد أبا موسى الأشعري قد أعد 300 من أقوى الرجال، كلهم شجعان وسباحون ماهرون. عين مجزأة قائداً لهؤلاء الرجال. أمرهم أبو موسى بأن يكبروا بصوت عالٍ عندما يصلون إلى الداخل، ليتمكن الجيش من الخارج من اختراق الجدران وفتح بوابة شوشتر.
• المعاناة في النفق: 220 شهيداً
أمر مجزأة رجاله بخلع بعض ملابسهم لتخفيف وزنهم، وربط سيوفهم بأجسادهم. انتظروا حتى الثلث الأخير من الليل. مروا عبر النفق، لكن العقبات كانت أصعب هذه المرة بسبب عددهم الكبير. ارتفع منسوب المياه، وكافحوا في النفق لمدة ساعتين تقريباً. من بين 300 رجل، تمكن 80 رجلاً فقط من النجاة. مات 220 رجلاً اختناقاً في هذا النفق. يا لها من تضحية!
• التكبيرات تهز أركان شوشتر
في اللحظة التي وصلوا فيها، أمرهم مجزأة بالاختباء وخلع سيوفهم بهدوء. ثم هاجموا حراس بوابة شوشتر. علت أصوات التكبير، واشتبكت السيوف. فتحوا بوابة المدينة، ودخل المسلمون من الخارج. التقت تكبيرات الداخل بتكبيرات الخارج. كانت حرباً شرسة، أصبح الهواء ساخناً من اشتباك السيوف، والأرض تهتز من قعقعة السلاح وصوت التكبير.
• استشهاد مجزأة بن ثور والبراء بن مالك
لم يكن مجزأة راضياً. كان يبحث عن الهرمزان، لم ينس مشهد رقبته الضعيفة. رآه يقاتل، فقفز عليه بسيفه. لكن مجموعة من المقاتلين أخفوه. لم يكن مجزأة في وعيه، كان يقاتل ويبحث عن رأس الهرمزان. رآه مرة أخرى، وقفز عليه. لكن الهرمزان رآه أيضاً، وقفز بسيفه. كانت ضربة الهرمزان أسبق. سقط أشجع المسلمين، مجزأة بن ثور السدوسي، شهيداً في ساحة المعركة. ولم يكتف الهرمزان بقتل مجزأة، بل قتل أيضاً البراء بن مالك رضي الله عنهما. عادت روح مجزأة إلى بارئها بعد كل هذه البطولات، وكان السبب – بعد الله – في دخول المسلمين إلى شوشتر.
11. ما بعد النصر: أسر الهرمزان ومواجهته مع عمر بن الخطاب
واصل المسلمون القتال والتكبير حتى أنعم الله عليهم بالنصر. تم أسر الهرمزان وجره إلى المدينة المنورة لمقابلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
• نقل الهرمزان إلى المدينة المنورة
عندما وصل الهرمزان، كان عمر يعلم أنه قاتل مجزأة والبراء.
• الحوار الحاد بين عمر والهرمزان
نادى عمر من بعيد: “يا هرمزان! كيف أشعر بالخيانة؟” (يقصد كيف يرى أثر الخيانة في كل مرة ينقضون فيها العهد).
قال الهرمزان: “يا عمر، كنا نهزمكم في الجاهلية، لم يكن الله معنا ولا معكم. فلما كان الله معكم، هزمتمونا.”
سأله عمر عن سبب نقضهم للمعاهدة في كل مرة.
• خدعة الماء وذكاء الهرمزان
قال الهرمزان: “يا عمر، أخاف إن قلت لك تقتلني.”
قال عمر: “لا بأس، أنت آمن (حتى تخبرني).”
طلب الهرمزان ماءً لأنه كان عطشاناً. أحضروا له ماء، فشربه ويداه ترتجفان من الخوف.
قال عمر: “ما بك؟ هل هناك شيء خطأ؟”
قال الهرمزان: “أخاف أن تقتلني وأنا أشرب.”
قال عمر: “لا بأس، اشرب فقط. (لن أقتلك حتى تشرب).”
أسقط الهرمزان وعاء الماء من الخوف (أو تعمداً).
قال عمر: “ما بك يا هرمزان؟ ائتوني بالماء، ولا تقتلوه وهو عطشان.”
قال الهرمزان: “كيف تقتلني وقد أمنتني؟”
قال عمر: “كذبت!”
قال الهرمزان: “لم أكذب!”
• تدخل أنس بن مالك وإنقاذ الهرمزان
تدخل أنس بن مالك رضي الله عنه وقال: “صدق يا أمير المؤمنين، لقد أمنته! قلت: أنت آمن حتى تخبرني، وأنت آمن حتى تشرب.” (وبإسقاطه الماء، لم يشرب، وبالتالي لم ينته أمانه الأول).
• إسلام الهرمزان غير المتوقع
غضب عمر وقال: “يا أنس! أتؤمنني على قاتل مجزأة والبراء؟”
ثم التفت عمر إلى الهرمزان وقال: “أتخدعني؟ أقسم أنك ستعتنق الإسلام هنا عقاباً!” واستل عمر سيفه.
لكن الهرمزان صرخ قائلاً: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله.” اعتنق الإسلام في تلك اللحظة قبل أن يقتله عمر.
12. خاتمة: دروس من الشجاعة والثقة بالله
وهكذا انتهت قصة فتح شوشتر، بقصة بطلها مجزأة بن ثور السدوسي، الذي ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والتضحية. قصة تعلمنا أن الإيمان الصادق والثقة بالله يمكن أن يتغلبا على أعتى الحصون وأقوى الجيوش. إنها قصص رجال لم يعرفوا المستحيل، وكانوا على استعداد للتضحية بأرواحهم في سبيل مبادئهم. قصصهم ليست مجرد حكايات للتسلية، بل هي دروس وعبر للأجيال، تذكرنا بأن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان واليقين.
13. شاهد المزيد عن مواجهات الصحابة
لمشاهدة المزيد من القصص البطولية لمواجهات الصحابة رضوان الله عليهم، يمكنكم متابعة الفيديو التالي الذي يروي تفاصيل هذه القصة وغيرها:
مواجهة الصحابة رضي الله عنهم ضد أقوى مقاتلين في التاريخ – YouTube